أثر القرآن على النفس

أثر القرآن على النفس
387 0

الوصف

الوصف

أثر القرآن في تزكية نفس المسلم 

أودع الله -تعالى- في كتابه الكريم الكثير من الآيات التي تتحدث عن عظمته -سبحانه وتعالى-، وتفرّده بالخلق والتدبير لهذا الكون العظيم، وقد بيّن الله -تعالى- في كتابه الكريم بعضاً من أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وأوضح للناس الطريق الصحيح الذي يوصلهم إلى النجاح في الدنيا والآخرة، وفيه ذكر لأهم المواقف والأحداث التي مرَّت بالأمم والأقوام السابقين؛ لما في ذلك من عبرة وعظة للناس من بعدهم، وقد دعا الله -تعالى- عباده المسلمين إلى قراءة كتابه بتأمّل وتدبّر، يقول الله -تعالى-:

(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)

؛ فالقرآن الكريم هو مصباح النور، ومشكاة الهداية للناس أجمعين، يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق، وجميل الصفات والعادات، ويحثّ على التحلي بها، والابتعاد عن سيّئها، وقد تضمّن في كثير من سوره؛ كسورة النور، والحجرات، والإسراء على الحِكم، والأخلاق، والوصايا الجامعة العظيمة التي لم يحتويها أيّ مؤلّف آخر، والتي تؤدّي بالبشرية جمعاء إلى سبل الخير والسعادة. وقد بيّن الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- أنّ التمسك بكتاب الله -تعالى-، وسنة نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- يكون بالوقوف على ألفاظ القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وفهم المراد منهما، ثم العمل بما فيهما من أحكام، واتّباع ما يصلح النفس الإنسانيّة، ويطهّرها من الدنس ويزكّيها، ويسمو بها إلى مكارم الأخلاق؛ وذلك لما في القرآن والسنّة من أثر بالغ في إصلاح القلوب والنفوس، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس تأثّراً بالقرآن الكريم، وأكثرهم امتثالاً بهديه القويم، وقد سُئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (كان خُلُقُه القُرآنَ)، أي أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ممتثلاً لما أمره الله -تعالى- به في القرآن الكريم، أمّا السلف الصالح فقد دلّهم الفهم الصحيح للقرآن الكريم على أهميّة إصلاح الباطن، وتنقيته من الآفات التي تصيب النفس، وتبعدها عن طريق الله -تعالى-. وقد حوى القرآن الكريم على جملة من الأحكام، والآداب التي تقوّم سلوك النفس، وتنهاها عن ارتكاب الفواحش والمنكرات، وتُنذر الإنسان من اقتراف ما يغضب الله -تعالى- ويجلب سخطه، وقد تنوّع أسلوب القرآن الكريم في تزكية النفس الإنسانيّة بين الترغيب والترهيب؛ فيدعو النفس ويرغّبها في فعل الخيرات، وامتثال المكرمات، وينهاها عن فعل المنكرات وسيّء الأخلاق والعادات، ويُبيّن لها عاقبة السوء، وفي القرآن الكريم من الأدلّة والبراهين ما يخلّص النفس من آفات الشكّ والحيرة، ويسمو بها إلى أعلى درجات اليقين بالله -تعالى-؛ فيخرج النفس من ظلمات الشرك إلى نور الهداية، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن سيّء الأخلاق إلى محاسن الأخلاق وكريمها، ويُرشد النفس إلى طريق العلم الصحيح، ويحثّها على العمل به؛ حتى تنال بذلك الخير، والنجاح في الدنيا والآخرة؛ فيسعى القرآن الكريم في جميع آياته إلى تزكية النفس الإنسانيّة، وتهذيب طباعها، وتربيتها وفق منهج أخلاقي متكامل.

أثر القرآن على سلوك المسلم 

للقرآن الكريم أثر عظيم في تزكية نفس المسلم، واستقامتها على أمر الله -تعالى-، والالتزام بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جعل الله -تعالى- تزكية النفس وتقويم سلوكها من أهم الأعمال الموكّلة إلى الأنبياء -عليهم السلام-، ويحرص المسلم على دراسة حياة النبي- صلى الله عليه وسلم، وتتبع أحواله، وسلوكه القويم مع الناس؛ ليمتثل ذلك في حياته، ليُقّوم سلوكه، وفيما يأتي عرض لأهم آثار القرآن الكريم الإيجابية على سلوك المسلم:

التزام المسلم بمنهج القرآن الكريم، وسنّة النبي- صلى الله عليه وسلم- في حياته يؤدي به إلى طريق الخيرات، وحلول البركات. 

قبول النصحية من الغير، وإبداؤها له، سواءٌ كان من عامة الناس أو من خاصتهم، فتكون النصيحة لله -تعالى-، ولكتابه الكريم، ولرسوله الأمين -عليه السلام-، ولقادة المسلمين، وعوام الناس. 

استقامة المسلم في حياته ظاهراً، وباطناً، والحرص على صلاح سلوكه في السر والعلن، والجمع بين العلم والعمل. 

إرشاد المسلم إلى أهمية الكسب الحلال، وكفّ الأذى عن الناس، والابتعاد عن الذنوب والمعاصي، والمداومة على تجديد التوبة، والإحسان عند أداء الحقوق لأصحابها. 

الصبر عند حدوث الشدائد، والمحن، والتسليم لقضاء الله -تعالى-، والرضا بما كتبه -سبحانه- من أقدار، والتوكّل عليه في تجاوز المصائب التي تصيب المسلم في حياته الدنيا. 

أثر سماع القرآن الكريم 

لاستماع القرآن الكريم أثرٌ بالغ في تقريب العبد من ربه -جلّ وعلا-؛ فسماع القرآن الكريم يفرح النفس ويسعدها، ويسمو بها إلى أعلى الدرجات، وهو يُعزّز الإيمان في القلوب، ويهدي إلى طريق الفلاح والنجاح، وفيه كذلك انشراح، وشفاء للصدور، وهداية للنور، وأمر بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر، وانتصار للحقّ، وإزهاقٌ للباطل، وعصمةٌ للمسلم في دينه ودنياه، فالقرآن حياة القلب، وغذاؤه، وفيما يأتي بيان لأهمّ آثار استماع القرآن الكريم على نفس المسلم:

نزول رحمة الله -تعالى- على عباده المستمعين لتلاوة كتابه الكريم، قال -تعالى-: (وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ).

الحصول على الثواب العظيم من الله -تعالى-، ومضاعفة الحسنات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (منِ استمَعَ إلى آيةٍ من كتابِ اللَّهِ كتبت لَهُ حسنةٌ مضاعَفةٌ ومن تلاها كانت لَهُ نورًا يومَ القيامَةِ).

حصول الهداية للإنسان، وبُعده عن الضلالة، والشقاء؛ فاستماع القرآن الكريم من صفات أهل الهداية، يقول الله -تعالى-: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَـئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).

سببٌ لحدوث النور في حياة صاحب القرآن في الدنيا والآخرة، وطريق لخروجه من الظلمات، يقول الله -تعالى-: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). 

رسوخ الإيمان في قلب المسلم، وانشراح صدره لقبول الحقّ، واتّباعه في حياته.

تحققّ الخشية في القلب، وظهور أثرها على الجوارح، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ).

بعض المواقف الدالّة على تأثير القرآن على النفس 

أكثر الناس تأثّراً بالقرآن الكريم هو النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كانت عيناه الشريفتان تذرفان الدموع عند استماعه لآيات القرآن الكريم، وقد طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود أن يقرأ عليه القرآن؛ فبدأ يقرأ من سورة النساء حتى وصل إلى قول الله -تعالى-: ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا)، فقال له -عليه السلام- (كُفَّ -أوْ أمْسِكْ-)،وكانت عيناه الشريفتان تنهمر بالدموع؛ خشية لله -تعالى-، ويظهر أثر القرآن الكريم كذلك في جميع جوانب حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعماله وتصدّقه، فيروي الصحابي الجليل عبدالله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان جواداً، كثير العطاء، وكان عطاءه -صلى الله عليه وسلم، وجوده يزداد في رمضان فقال -رضي الله عنه-: (كانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ).وقد تأثّر الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- بالقرآن الكريم، وكان سبباً في إسلام كثير منهم؛ مثل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي كان يعرف في الجاهلية بالقسوة، والشدة، والتجبر، وقد علم في يومٍ من الأيّام إسلام اخته فدخل عليها وضربها، ثمّ سمع القرآن منها، ولما دخل القرآن إلى مسامعه، ووجد فيه نفساً صافية، وقلباً نقياً، وفطرة سليمة، أشرق نور الإسلام في قلبه؛ فاتّبع الحقّ وأعلن إسلامه عند رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-.

نفع القرآن الكريم 

القرآن الكريم كتاب عظيم النفع، رفيع الشأن، محفوظ لا يتغير، أو يتبدل، يهدي الناس إلى طريق الخير والجنان، ويبعدهم عن طريق الشر والنيران، وقد حوى القرآن الكريم سبل السعادة والفلاح في الدين والدنيا، ومن امتثل بما فيه من الأوامر، وابتعد عن فعل ما نهى عنه وحذّر؛ فقد فاز برحمة الله -تعالى- ورضوانه، وقد بيّن الله -تعالى- أنّه أحكم آيات كتابه الكريم، وجعلها متقتةً، لا يأتيها النقص، ولا يمكن لبشر أن ينقضها، قال -سبحانه وتعالى-: (الر كِتابٌ أُحكِمَت آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبيرٍ)؛ فالقرآن الكريم كمثل البناء المحكم الذي لا يعتريه أيّ نقص في تركيبه، وقد أحكم الله -تعالى- آيات القرآن الكريم لفظاً ومعنى، وانفرد هو وحده بالإحاطة التامّة لجميع معاني القرآن ومدلولاته، والقرآن هو الكتاب المعجز الذي لم تعرف البشرية كتاباً يمالثه، ويناظره في الحسن، والإتقان، والبلاغة.